كلمة في حق الكتاب !!!!





أقلبت الإجازة الصيفية , وبدأت الأسرة تخطط مع الأبناء برنامج الصيف , بين سفر وزيارات  , والذهاب للمتنزهات  , والمراكز الترفيهية , والسهر على برامج التلفاز ,  وتنمية المواهب الرياضية للأبناء ,  لهذا وقفت برهة  مع صديق الزمان وقد علا الغبار عليه في مكتبة البيت  , يشكي ويئن من قلة حاضنيه , تصرخ السطور من أعماق صفحاته عن العيون التي أغرمتْ بها يوما.

الكتاب الذي لفترة من الفترات كان خير جليس في الزمان , الكتاب الذي بدأ يتناقص جمهوره بسبب التقنية الحديثة ربما , أو بسبب مغريات العصر الترفيهية , فأصبح الجلوس على شاشة الحاسوب بالساعات مثلا  أفضل بكثير من جلسة مع  كتاب يظنها البعض أنها جلسة مملة للأسف ...

يقول (عباس محمود العقاد) صاحب كتب (العبقريات) "   .. أنا أحب  الكتب , لا لأني زاهد في الحياة , ولكنني أحب الكتب لأن حياة واحدة لا تكفيني " ... فعلا كما قال العقاد حياة واحدة لا تكفيني  , كيف لا وأنا بالكتاب أستطيع أن أعيش أي عصر أريده  سواء أكان عصر جاهلي أو عصر إسلامي أو حتى العصر الحديث بكل فنونه وأشكاله  ,  الكتاب مثل أي تقنية حديثة اليوم  قد ينقلك إلى معالم وآفاق واسعة  دون ملل يسيطر على وقتك , دون أزمة ضيق قد تتخلل نفسيتك , فنحن جميعا ندرك أن المعرفة لها آفاق رحبة في فضاء الحياة , قد يكون لهذا المعرفة بدائل شتى , ولكن يظل للكتاب قدسيته الخاصة وألقه الجميل , فأيهما أجمل أن تقرأ كتاب من على شاشة الحاسوب أم أن تمسك الكتاب بيديك في حنان , حتى أن لتلك اللمسة حميمية جميلة , تخلق أجواء رائعة بين الكتاب وصاحبه .

الملاحظ أنه كلما تطور العصر , قلة الرغبة في القراءة لدى البعض , فأصبحت هموم الحياة تسيطر على الوقت البشري  ,  ولطالما سمعنا عبارة " لا يوجد وقت " , فعلى الإنسان أن يبحث إذا عن وقته جيدا , حتى يعرف أين يذهب عنه وهو لا يدري  , رغم أن المرء يخادع نفسه بهذه العبارة  , ولكن لا أريد أن أخلع المصداقية بيني وبين القارئ , لعله فعلا لا يجد الوقت حتى يأنس مع صديق لا يُمل مثل الكتاب ..

لنقف برهة مع عشاق الكتب , وإلى أين ذهب بهم هذا العشق بالكتاب .. لنبدأ مع الكاتب المسرحي الشهير ( توفيق الحكيم ) فكان يقول : أنه لا يتصور الجنة من دون كتب .

ولما توفي مؤلف الخيال العلمي (جول فيرن ) , وجدوا في مكتبته خمسة وعشرين ألف كتاب علمي , وقد وجدت ملاحظات مدونة على صفحات تلك الكتب , مما يدل على أنه قرأها جميعها .

أما الروائي المصري ( نجيب محفوظ ) الحائز على جائزة نوبل للأدب عن روايته أولاد حارتنا فيقول في حق الكتاب : " عندما كنت طالبا في المدرسة , كنت أضع قائمة تضم أهم الأعمال التي علي أن أقرأها  , ولكن مع قراءاتي كانت هذه القائمة تزداد طولا ولا تقل , فقد كان كل كتاب أقرؤه يفتح عيني على كتب أخرى أجهلها  , وكنت أشعر دائما بأن الجهل يطاردني وأنا أتعلق بأذيال معرفة بسيطة , على الرغم من أنه لم يمضي يوم في حياتي من دون أن أحصل فيه على معرفة جديدة ." .

 أما كاتب قصص المغامرات ( لوي لامور) والذي جمع تسعة آلاف كتاب في منزله فيقول : " أما أن يكتشف المرء لذة القراءة حتى يجد أن الحياة لا مكان فيها للملل , وهذه اللذة تزداد كتابا بعد كتاب .." .
أما الأديب الفرنسي الشهير ( جان كوكتو ) حين سأل عن أمتع لحظات حياته فقال : " هي تلك التي أقضيها مع كتاب جديد ممتع  , إن فرحتي بما أجده بين الصفحات  من أفكار جديدة لا تعادلها فرحة ..... وأن القراءة هي أطول رحلة في التاريخ . " .

جميل هذا العشق الذي يتخلل هؤلاء الكتّاب للكتاب , ولا أدري هل يُقدر الكتاب اليوم بتلك الصورة التي قدرها هؤلاء في حياتهم ؟! , ربما يعتمد على حسب ميولات الشخص نفسه , وحسب هواه الذهني , هل فعلا أن هناك من يعتبر قراءة كتاب هي أسعد لحظات عمره ؟! سأكتفي بالاستفهام والتعجب ولكن إذا أدرت سطوري قليلا على نفسي لو سمح لي طبعا القارئ الكريم , دون ثناء أو مديح لذاتي سأقول بكل جرأة وبدون خجل : نعم أنا كاتبة هذا المقال , حين انتهي من أي كتاب جميل ورائع احتضن الكتاب بكل هدوء , وأقول : " أتمنى أن أحصل على كتاب آخر مثله جميل . " .


بقلم / آهات قلم