من يأخذ بيدي



كتاباتي عالقة في مخيلتي كالثمار الناضجة تنتظر من يقطفها ويذوق طعم لذتها , كتبت ومازلت أكتب بيراعي الصغير الذي يحمل حروفه في قماطها وينثرها على السطور برفق ولين , كتبت عن سمر الليل بنثر أو بقصيدة كالعروس تبدو زاهية , كتبت عن خلجات الروح وما يعتريها من مشاعر قد تبددت فيها الأحلام مرة , وقد نهشت الأحزان منها مئات المرات ..

كتبت وما زلت أكتب أبحث عن من يدعمني؟ أبحث عن من يقول لي استمر ؟! أبحث عن كلمة تشجيع هنا وهناك ؟ أبحث عن من يحفز يراعي المبتلى بصمت العابرين عليه دون وقفة تمنحه أمل لكي يبقى ويستمر حتى يكبر حرفه ويعانق ذروة المجد الأدبي ..

كتبت بما ألهمني المولى من بذور الموهبة , قرأت من الأدبيات ما قرأت حتى تظل روح الأدب عندي في يقظة ولا تموت بالإهمال والكسل , كتبت وبات حلم الكتابة يتبدد في عالمي الأدبي الخاص , وتراكمت دفاتري في أدراجي المحشوة في غرفة رباعية الزوايا ..

ظل ذاك اليراع منتعشا ينتظر من يأخذ بيد صاحبه , ينتظر من يقدم له النقد الهادف المبني على الاستمرار , وليس النقد الذي يوحي للإحباط وإعدام روح الحرف التي تولد من ذاك اليراع الجميل حين بات يخطو خطوات متوازنة نحو الإبداع

ولكن تلك الأرواح القاسية التي لا تفكر في احتضان الآخرين , وترغب أن تظل الساحة الأدبية لها ومشرقة باسمها فقط , وتنهار بقية الأقلام التي ما فتأت تولد لكي تموت في طريقها نحو مجد حلمت به وظل يداعب أخيلة الروح , ويتلألأ اسم كاتبها بين الكتاب الآخرين ,,,

قررتُ دفن اليراع في أقرب مقبرة , ورميتُ بمجده الذي لم يلبث أن يلوح من خلف السراب نحو بحر متلاطم الموج دون عودة , لأني وبكل حسرة لم أجد من يأخذ بيدي نحو الكتابة الأدبية ؟ لم أجد من يأخذ بيدي نحو عوالم الأدب ؟! لم أجد من يأخذ بيدي بالنصح والنقد الأدبي ؟ لم أجد من يتبنى موهبتي الولود ؟ لم أجد من يأخذ بيدي ولا بقلمي ؟!

بعد هذه المقدمة البسيطة من نسيج خيالي عن كاتب ترك يراعه ينزف وحيدا حتى الموت ...
أبدأ بفكرتي المقصودة من هذا المقال البسيط , لو تحدثنا بكل مصداقية وبكل جرأة هل شغلت الساحة الأدبية العمانية أقلاما جديدة غير تلك الأقلام المعروفة لدينا منذ زمن ؟
هل قرأنا أدبيات جديدة لأقلام جديدة لم نقرأ لها من قبل؟!
كالعادة لا جديد طبعا فالأسماء الأدبية هي .. هي ومن يحصد الجوائز الأدبية هم ... هم ومن لهم الشهرة هم .. هم وهنا علينا طرح تساؤل مهم لماذا لا نرى إبداعا جديدا بأقلام جديدة؟! ما هي المشكلة الحقيقة وأين تكمن ؟!

في حين لو دخلنا أي منتدى عماني على الشبكة العنكبوتية لا نراه يخلو من قسم خاص للأدب وللغة , ونقرأ من الكلام أعذبه , قصائد شعرية ونثر أدبي وقصص قصيرة وحتى شعر نبطي مكتوب نقرأ جماليات رائعة خلف معرفات إلكترونية, فنتساءل حينها أين هؤلاء من الساحة الأدبية العمانية , لماذا لا يظهرون ولا يتواجدون ؟ ولماذا لا يشاركون ؟! هل تفتقد الأقلام الجديدة ثقتها عندما يحين الجد , هل هناك تخوف ما في خوض تجربة الاندماج مع العملاقة من الكتاب ؟! أم هي فقدان الثقة في جدية الموهبة , والخوف من النقد الأدبي ؟!

إذا نشعر هنا من تزعزع الثقة في تلك الأقلام الشابة , ربما لأنها لم تجد من يأخذ بيدها حتى تصل , لم تجد من يأخذ بيدها حتى تتغير , وتقدم الأفضل , هي لم تجد من يرعاها بالنقد فما تعودت النقد البناء , لهذا باتت تخشى أن تظهر وتمارس الكتابة وتشارك في أي ميدان خوفا من النقد الأدبي ...

ربما البعض قد ينظر إلى النقد بأنه فسحة جميلة لصقل الموهبة حتى تتطور وتنضج فنيا وأدبيا دون مجاملة أو خداع أدبي , فالنقد الصادق يساعد على استمرار الموهبة والإبداع أكثر فهو حافز للقلم الخجول , لا أظن أن أحدا من الكتاب المشاهير وصل ما وصل إليه من شهرة وإبداع أدبي دون أن يكون هناك شخص له الفضل أو شخص وقف بجانبه يسانده ويدعمه في أدبه....

لهذا نفتقد في الساحة العمانية الأدبية هذا التواصل بين الكبار وبين الصغار في مجال الأدب , نفتقد روح الألفة فالكل يريد لنفسه الظهور فقط , تعتريه النرجسية الصفراء , ويغلق على نفسه , ويحرم الجميع من توجيهاته ونصحه وقدرته الأدبية في الكتابة من أن يطلع عليها أحد , فلا مجال للنصح والاستشارات الأدبية عند هؤلاء , لهم نظرة فيها أنانية مخلوطة بالتجاهل لكل من تعنى لهم باستشارة قد تفيده في عمل أدبي ما في المستقبل , ربما أن البيئة العمانية معروفة بتلك الطاقة الرهيبة التي تسمى بين قوسين " الحسد " .......

ولي على ما أقول قصة مرت بإحدى الكاتبات المبتدئات ولا نقول مبتدئة فهي مشرفة في إحدى المنتديات الأدبية ولها كتابات لا بأس بها في القصة القصيرة والمقال والخواطر الأدبية , وقد رتبت أفكارها كي تبدأ بكتابة رواية لتكون أول أعمالها الأدبية الضخمة, فقامت بإرسال بريد إلكتروني لكاتبة لها باع في كتابة الروايات تطلب منها النصح والإرشاد ,في كتابة روايتها , فأسندت بريدها بقصة قصيرة لها حتى يتم تقيمها من قبل تلك الكاتبة الشهيرة , وتخبرها عن نقاط ضعفها في الكتابة , وعن نقاط القوة , كانت تريد استشارة أدبية منها في كيفية كتابة رواية ناجحة , العجيب في الأمر أن تلك الكاتبة الشهيرة لم ترد حتى هذه اللحظة , ولم يتم تقيم القصة , ولم تجد كاتبتنا الاستشارة الأدبية في كيفية كتابة روايتها, وبعد انتظار دام طويلا؟ ذهبت بكل سهولة ويسر إلى خانة الصديق جوجل لتكتب كيف أكتب رواية ؟! فوجدت ما سرها بطريقة مختصرة وجميلة و مفيدة , وها هي الآن تكتب روايتها بكل هدوء وطمأنينة...

مثل هذه القصة ألا تبعث الأسى واليأس؟! فهناك من يريد الإبداع حقا ولكن لا يجد من يدعمه , لا يجد من يقدم له النصح حتى يستمر ولا يتخبط في المسيرة , لهذا هنا علينا أن نؤمن أنه من أراد أن يقدم شيئا في حياته فعليه أن ينهض بروحه , ولا يعتمد على أحد , عليه أن يسلط جهوده على إمكانياته ومكنوناته الداخلية , ولا ييأس أبدا , ولا ينتظر أن تمد له يد بشرية وتقول له : هيا انهض أنا معك عليك أن تتقدم ...

حين تنجح فالنجاح لك ولغيرك ولكن حين تفشل فالفشل لك وحدك ... لهذا لابد أن يصنع المرء نجاحه بنفسه ولا يقتل مواهبه التي أودعها الله فيه بأي حال من الأحوال ولا يجعل اليأس يكسر من عزيمة إبداعه ولهفة قلمه في أن يقدم أدبا راقيا وجذابا ونقيا ,,,,,

لا تكسر قلمك.. لا تمرغ مداد حبرك في وحل اليأس والنسيان .. لا ترتكب جريمة شنيعة في حق موهبتك الأدبية لأنك لم تجد من يمد لك يد العون ...يقول الروائي البرازيلي باولو كويلو سأكتب حتى الموت وظل يكتب حتى حين تم إدخاله المصحة النفسية .... ويقول الكاتب برهان غليون : (لابد أن تكتب حتى تفكر)

جميل لو تتصادق الأقلام , وتدعم بعضها البعض , وتساند بعضها البعض , حتى يرتقي الأدب بأقلام ناشئة جديدة تحمل هم الكتابة في قالب إبداعيا جميل ..


بقلم / آهات قلم

هناك تعليقان (2):

  1. الأقلام الشابه تحتااااااااج للمساندة والوقوف بجانبها
    والأقلام المتمرسة في حاجة للتشجيع والنقد البناء .. أنها مسؤالية الجميع بلا شك .

    ردحذف
  2. من عزل نفسه عن الجميع سيظل ينظر من نافذته فقط دون حراك حتى يفهم من حوله انه من الصعوبة الوصول إلى من وصل هو إليه وهذا في منتهى النرجسية الحمقاء

    ردحذف