جوهرة هي لو تعرف .....!!!


ما جعلني أكتب في هذا الموضوع هو حال فتاة اليوم وكيف تستغل جسديا من أجل الترويج التجاري للبضائع , أكاد أجزم أنه لا يخلو منتج تجاري أي كان من صورة فتاة عليه , والقنوات الفضائية تضج بالإعلانات التي تكون فيها المرأة هي المحرك للبضاعة , ومن فترة ليست بالبعيدة رأيت إعلانا تجاريا لمعجون الحلاقة للرجال , وقد أضيفت فتاة في الإعلان , وهذا يدفعني لتساؤل هل أصبحت المرأة حالها كحال أي سلعة تجارية اليوم ؟! وأصبحت ترمي بنفسها في عالم سماسرة البشر ؟! هل تثيرها الأضواء ؟هل تغريها الشهرة ؟هل أصبح جمال المرأة نقمة عليها هذه الأيام ؟ للأسف هذا حال فتاة الإعلانات , ولكن ما هو الأثر الذي تخلفه هذا الفتاة في عقول بقية الفتيات اللواتي ليس لديهن علاقة بالإعلانات لا من قريب ولا من بعيد ؟! فقط المشاهدة من بعد فما حجم التأثر بتلك الفتاة يا ترى؟! وإلى أي مدى يكون التقليد لهن ؟!

لقد أصبحت الفتاة اليوم كدمية في أيدي البعض , تظهر كما يريد لها العصر أن تظهر , أصبحت بجسد جميل ولكن فارغ الروح , يتيم الحس , تُستغل استغلالا ظالما لأنوثتها , رضت لنفسها أن لا تملك قرارها , ولا تملك شخصيتها , رمت كل ما يكفل لها من حرية ومن حماية خلف ظهرها , ورسمت لنفسها حرية أخرى , وحماية أخرى بقالب مستورد تظنه النجاة من الظلم ومن الاستبداد وأقصد هنا الفتاة العربية , وترى المرأة اليوم تتفنن في زينتها , وفي مظهرها , وإن لم تكن فتاة إعلانات , فحين ترى هذا التبرج المبالغ فيه , تشعر أن الشوارع ملئ بفتيات الإعلانات , ربما ما زلتُ أحلق في نفس الفضاء وهو فضاء العولمة , لما قد نراه من فوضى فكرية لا نعرف على أثرها أين نعيش , هل صحيح نعيش في بلد يفتخر بعروبته وبدينه ؟!

وخاصة حين ترى تلك الألوان الفاقعة التي تصاحب ملابس بعض النساء عند الخروج من عتبة البيت , ربما تتخيل في الوهلة الأولى أنك تعيش أجواء كرنفالات في الشوارع أو مهرجانات مثيرة داخل المراكز التجارية , و ترى تلك الأصباغ المبالغ فيها والتي تلغي معظم ملامح الوجوه , وأضف على ذلك تلك العبايات الغريبة في تصميمها , وكأنك تعيش جو الحفلات التنكرية , فبعد أن كانت العباية من أكبر خصوصية المرأة العربية المسلمة , أصبح اليوم للأيدي الغربية لمسات فيها , فقد رأيت في إحدى البرامج التلفزيونية مصمم أزياء فرنسي , يتحدث عن العباية الخليجية وبأنها تحتاج لبعض اللمسات وربما يقصد اللمسات الغربية , لعلك أيها القارئ الكريم تتخيل معي كيف ستكون تلك اللمسات الفرنسية على العباية الخليجية !! إذا لم تصبح هناك خصوصية للفتاة في ملبسها , حتى في رمز احتشامها وهي العباية , وأصبح هناك تطفل غربي وفتاتنا للأسف تراه من جانب التطور والتحضر ..

لا يظن البعض أني ضد الأناقة على العكس تماما , إسلامنا علمنا الاهتمام بحسن بالمظهر , ولكن للمظهر الأنثوي حدود على كل فتاة أن تعيه جيدا , لا تلغي الفتاة هويتها وثقافتها , وترجع بنفسها إلى نقطة الصفر حيث الجاهلية القديمة , فما نراه أيضا من أسنمة البخت المائلة , يوحي إلينا أن الفتاة أصبحت تقلد تقليدا أعمى دون النظر إلى معاني الأناقة الحقيقة , ولا تعي أن التبرج المبالغ فيه يجعلها أشبه بمومياء ملونة ... ولا تعي حجم البذخ في الزينة الذي يحول الجمال إلى قبح , ويجعلها محل سخرية من قبل البعض ..

متى تعي الفتاة العربية عموما والفتاة الخليجية خصوصا , ومن يهمني أمرها أكثر الفتاة العمانية أن البساطة هي قمة الجمال الحقيقي ؟!! , وهذا ليس عبثا على السطور أنشره , بل هي الحقيقة وهذا ما أوضحته الكاتبة الفرنسية ( دومنيك لورو ) في كتابها " فن البساطة " والذي أوضحت من خلاله تجربتها في اليابان والتي قضت فيها ستة وعشرون عاما , تعلمتْ خلال تلك الفترة , فنون العيش ببساطة إلى أبعد الحدود , وقد نقلت تجربتها في اليابان إلى المرأة الفرنسية لتعلمها فنون العيش ببساطة من خلال هذا الكتاب الجميل..

وقد قرأتُ هذا الكتاب بنفسي وهو أروع ما قرأتُ صراحة , حاولت اقتباس بعض مقولاتها في البساطة , فوجدت نفسي أقتبس الكتاب بأكمله , ففضلتُ أن ألا أدرج شيئا سوى هذه السطور الجميلة لها حين تفرق بين الطراز والموضة فتقول :" الطراز هو ذاك الذي يقطن الفكر , والموضة تتغير ولكن الطراز يبقى , الموضة مسرح , أما الطراز فإن مبدأه البساطة والجمال والأناقة , الموضة تشترى أما الطراز فيمتلك . " وهنا نفهم من (دومنيك لورو) أن المرأة تلبس على أساس طراز فكري معين , ملبسها ينبع من داخل المعتقدات التي تؤمن بها , فإذا هي جرت خلف الموضة وعالم الأزياء , فهي لا تمتلك طراز فكري يخصها بل تتماشى مع متغيرات العصر التي تفرض عليها ما تلبس , وما تقتني من كماليات ...

قد أعذر الفتاة فقد حملها الإعلام فوق طاقتها , وجعلها أسيرة لآخر الصرعات والموضات , أصبحت تبالغ لدرجة الجنون في إظهار نفسها بأبهى صورة , وأجمل منظر في نظرها القاصر , أصبح هناك هوس من قبل المرأة في الاهتمام بالمظهر الخارجي , فلا أدري هل هذا الاهتمام مقصود به جذب الجنس الآخر لها , أم هي حالة نفسية أصيبت بها المرأة من الإعلام المشاهد , أم أنه أصبح الجميع يبحث عن الجمال بأية وسيلة كانت ؟!!

ففي هذا الفضاء المفتوح اليوم لا تشاهد فقط برامج ومسلسلات محلية لبلدك وحسب بل أصبحت مطلع على ثقافات بلاد أخرى , وأصبحت تستورد أفكار , ومعتقدات أخرى , قد لا تلامس هويتك , ولكن من باب أن العالم أصبح قرية صغيرة وحسب , وكل شيء متاح للمرأة وهذا ما يجعلها أسيرة لهذه المعتقدات , فقد كثرت في الآونة الأخيرة صالونات التجميل , وأصبحت تعج بالنساء من مختلف الأعمار , وهناك عيادات للتجميل , فأصبح تغيير الخلق من السهولة بمكان , لم تعد هناك قناعة حقيقة أو الشعور بالرضا الداخلي على ما وهبت به المرأة من جمال رباني , فالبعض أصبح يطمع للمزيد ... الكل بات يجري وراء تجميل الجسد , وصرف أموال طائلة لهذا , فحين يظهر الشح في حضور دورات لتنمية الذات ورقيها , وكسبها مهارات لفهم الآخر , وبناء العلاقات الصحيحة , إذا ما قيمة جمال الشكل إذا كانت الروح خواء , ما قيمة الملابس المبهرجة , إذا كانت النفس خراب بلا رقي ..

وفي كتاب لنعيمة ب . روبرت اسمه "نساء اعتنقن الإسلام "
وقد قال ديلي تلغراف عن هذا الكتاب:"بأنه كتاب مثير جدا للأفكار يتحدى التصورات الغربية المسبقة عن النساء المسلمات "
تقول الكاتبة :"الحجاب يعني أشياء كثيرة لنا : إنه ستارنا , محررنا , رمز عبوديتنا للمولى عزوجل . إنه لا يشكل عبئا غير مرغوب , أو ضلالة , وليس رمزا لاضطهادنا : إنه جزء أساسي من هويتنا بوصفنا نساء مسلمات .
وأولئك الذين يعملون ما بوسعهم "لتحريرنا" منه , يحسنون صنعا بالإصغاء إلى أصوات أولئك الساعيات إلى الحرية , لأن حرية امرأة , مهما كانت النوايا صادقة , قد تكون سجنا لامرأة أخرى . "

ونعيمة روبرت هي امرأة أفريقية أسلمت في سن مبكرة في بداية العشرينيات من العمر وتصف في كتابها حجم الضياع الذي كانت تعيشه وتصف حتى ملابسها كيف كانت قبل الإسلام , وكيف تستغل ثقافة الجسد عند المرأة من أجل الوصول إلى الأهداف المنشودة , وبعد أن قذف الله في قلبها الهداية , وشعرت بقيمة الاحتشام وأصبح الحجاب جزء من ثقافتها بل من شخصيتها كتبت هذا الكتاب عن كل تفاصيل حياتها قبل الإسلام وبعده ...

مسارات الحياة غريبة فعلا , فحال الفتاة التي تدخل الإسلام اليوم , تتمسك بالحجاب والاحتشام لأبعد الحدود , ربما لأنها عانت كثيرا في فترة ما وهي بدونه , أما فتاتنا التي ترعرعت على مكارم الأخلاق , وعلى الفضيلة , وعلى الاحتشام منذ الصغر في بلد عربي مسلم , أصبحت تمتلك قناعات متناقضة بعكس ما تربت عليه , وتسعى للفت الأنظار نحوها شكلا فقط لا مضمونا , لتتجاهل منها الروح والفكر والخلق , هنا لتعذرني الفتاة التي تؤمن بهذه الأفكار السطحية ,
وأشارك (دومنيك لورو) في فكرتها وأضيف عليها : الموضة تتغير والطراز والمبدأ والفكر هو الذي يبقى ...فلا تجعلي من نفسك أسيرة متغيرات


بقلم / آهات قلم