الجمعة، 11 يونيو 2010

القيادة والثبات على المبدأ..!!

هل سألت نفسك يوما هذا السؤال الصغير هل أنا صاحب مبدأ ؟ أو هل أملك القدرة على إبداء رأيي بكل صراحة وشجاعة ؟ هل أنا إنسان قيادي ؟! لطالما سمعنا عن أرباب المبادئ والقيم , عن الذين يستطيعون البوح بآرائهم دون خوف , والإصرار عليها أيضا , بأنهم شخصيات قيادية من الطراز الفريد ..

وإذا ذكرنا الشخصيات القيادية في العالم الإنساني , فأول شخصية تخطر في أذهاننا هي شخصية الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم , وهناك الكثير من المواقف التي تدل على أن شخصيته صلى الله عليه وسلم قيادية من الطراز الأول .

دعونا نذكر موقفه العظيم هذا حين عرضت عليه قريش المال والسلطان والجاه والنساء مقابل أن يترك رسالته التي كلفه الله بها , قال سيد الخلق يومها عبارة عظيمة تستحق أن تكتب بمداد الذهب , ومازالت إلى اليوم خالدة في عقولنا وحاضرة في أذهاننا , نتعلم منها معاني التحدي , نتعلم منها معاني الصمود , والشجاعة والثبات على المبدأ , كل حرف فيها يتنفس القوة والعزم والإصرار.

رغم أن سيدنا محمد كان في تلك الفترة الحلقة الأضعف أمام قريش , فلم يؤمن معه إلا الفقراء والعبيد في بداية دعوته , ولكن لنتمعن في العبارة جيدا قال : " والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه " .

هذا العبارة حين تقرأها للوهلة الأولى تشعر بحجم الثقة , تشعر بقوة المبدأ , لما فيها من قوة ظاهرة وقوة خفية , كان الأجدر بنا أن نعلقها على جدران غرف منازلنا , أو أن تكون مادة مدرسية في المنهج الدراسي تتعلم منها الأجيال فنون القيادة , والثبات على الرأي والمبدأ في أحلك المواقف , وقبل هذا وذاك أن تعلق على جدران قلوبنا الراجفة التي تربت على الخوف والقلق من إبداء الرأي , والثبات على المبدأ , فظاهرة تكميم الأفواه ظاهرة طالت الأبناء في الأسر العربية , لما يتلقوه من قمع أسري , فهناك القليل من الأسر التي تملك مهارة التربية العصرية في التعامل مع الأبناء للأسف ....وأقصد بالتربية العصرية هي حرية التعبير عند الفرد مهما كان سنه , فحرية التعبير عن الرأي هي جزء من مبادئ الإسلام الحنيف أيضا ..

تلك العبارة المحمدية توحي لنا أيضا أن سيدنا محمد جمع بين النبوة وبين قدرته على القيادة , فلم يخشى أن يصرح برأيه أمام قريش رغم جبروتهم وظلمهم بل ظل ثابتا على رأيه ومبدئه في تبليغ رسالة ربه , ولم يتزحزح مبدئه أمام مغريات قريش , لم يبالي بغضب سادة القوم , كان ثابتا كالجبال , ومتوكلا على ربه فهو لن يخذله أبدا , لهذا لم نشهد في السنة النبوية أن الرسول الكريم صادر رأيا لأي صحابي مهما كان سنه صغيرا أم كبيرا , لهذا أستطاع الرسول أن يؤسس دولة المدينة بكل نجاح وتوفيق من ربه .

كم من المواقف التي تعرضنا لها قد تكون شبيه بموقف النبي محمد صلى الله عليه وسلم , ولكن يتبدد الرأي والمبدأ أمام المغريات وتتلاشى كل القيم والمبادئ , لنبدو في صورة أنفسنا أشبه بالزئبق الذي يموج بين هنا وهناك , يا ترى ما الذي يميز أي شخصية عالمية أصبحت مضرب المثل في القيادة والرئاسة أليس الثبات على المبدأ والثقة في النفس وهي معيار التفاضل في القيادة,,

هنا دعونا أذكركم بموقف آخر لعبدالله بن الزبير بن العوام عندما وقف بكل شجاعة وجرأة أمام خليفة المسلمين عمر بن الخطاب حين مر من أمامه وهرب بقية زملاءه الصبية خوفا من عمر فقال له أمير المؤمنين لماذا لم تهرب مع أصدقاءك ؟ قال : لست مذنبا فأخاف منك و ليست الطريق ضيقة فأوسع لك . أي تربية حظي بها عبدالله بن الزبير يا ترى ؟! أي نوع من الثبات كان يتحلى به في تلك اللحظة أمام قامة عمر الضخمة وهو مازال صبيا ؟!أي ثقة تحلى بها وهو مازال غض العود صغيرا ؟! اترك الجواب لك أيها القارئ المبجل ..

قرأت حكمة تقول : " الرجل الذي لا رأي له كمقبض الباب يستطيع أن يديره كل من شاء"... تشبيه جميل وسليم ولكن من المؤسف أن يظهر لنا أشخاص كأقفال الأبواب , يميلون حسب ما تدار رؤوسهم عليه في أي اتجاه ,بل هم أيضا أشبه بحقل القمح الأصفر الذي لا يملك أي مقاومة في وجه الريح التي تهب عليه , فهي تبعثره كيف تشاء لخفة سيقان القمح اليابسة على أرضه , فمرة يميل باتجاه اليمين ومرة باتجاه اليسار , وهكذا

هل أصبحنا في عالم متناقض من الآراء والمبادئ؟؟ وأصبحنا نقول رأي في قضية ما اليوم ونقول غدا في نفس القضية رأيا آخر مختلفا تماما ؟؟وكأننا نعاني من انفصام في الشخصية!!! لماذا تنقلب الآراء والمبادئ لدى أصحابها في لمحة عين هذه الأيام , هل بسبب ضعف في الشخصية أم أن هناك ضغوطات تمارس على البشر حتى ينطقوا بما يرضي الآخرين دون مراعاة لخصوصية الرأي والتعبير عندهم ؟

فلماذا يعامل الإنسان في بعض الأوقات وكأنه شخص معتوه لا يعرف أن يتخذ قرارا ولا أن يملك مبدأ ولا رأيا , واضرب مثالا بسيطا وهو التعامل مع المراهقين من الأبناء , هذه المرحلة العمرية الحرجة وهي مرحلة تحول في حياة المرء , يتم التعامل مع هذه الفئة على أساس أنها غير ناضجة وواعية , لهذا يتربى المراهق في بعض الأسر مسلوب الإرادة والرأي والمبدأ , ويعامل على أساس أنه مازال طفلا لا يدرك بعض الأشياء من حوله , ونستمر في دائرة الرأي المسلوب والمبدأ المسروق , فتنشأ أجيالا ضعيفة , لا تجيد الحوار , ولا اتخاذ القرار , ولا بناء المعتقدات , ولا تنمية المهارات , ولا فن العلاقات العامة , إذا أنشأنا جيلا غير قادر على القيادة , وهذا فشل تربوي على الجميع أن يعترف به في مجتمعاتنا العربية للأسف ...


من جهة أخرى هل أصبح الثبات على المبدأ يدل على أن هذا الشخص متشدد ؟! و يقال لمن يملك قراره بيده ولم يتحول عن مبدئه بأن به عناد وكبرياء حاد ودماغ يابس , ولا تتزعزع عزيمته أبدا ليغير هذا المبدأ أو هذا المعتقد الذي آمن به , ولو كان الثمن طرده من عمله مثلا أو نزع روحه من جسده , فهو في نظر نفسه شهيد المبدأ والقيم والقناعات التي ربى روحه عليها ....

ربما البعض قد يملك الرأي والمبدأ ولكن لا يملك الأسلوب الصحيح في إظهار رأيه أو الثبات على مبدئه , وتأخذه العصبية والفتوة حتى يبدو أمام نفسه قوي الذات , فحين قد يكون الثبات على الرأي لا يتطلب سوى الاستمرار على فكر معين دون عنف أو مشادة كلامية , أو قد تكتفي أحيانا عبارة واحدة كما فعل سيد البشر في ذاك الموقف الذي ذكرناه سابقا والذي أخرس زعماء قريش ...

لهدا الثبات على المبدأ يتطلب الصبر , والدافع عن الأفكار بحنكة , حتى لا تتماهى معاني الثبات في داخل الروح , لتولد اليأس , والخنوع , والرضا بالمعتقدات الخاطئة , والأفكار السلبية , لهذا دعني أسأل هنا سؤالا مهما :
هل سيأتي بك زمانا تغير فيه قناعاتك التي مضيت بها وتعمل عليها لسنوات ؟؟ ولا تنسى قد تتعرض في كثيرا من الأحايين لمواقف صعبة , هل ستلين حينها وتقول : " بلا قناعات بلا خرابيط " والأفضل الخوض مع الخائضين , وتتنازل عن كل تلك القيم والمبادئ والآراء ,

فالحياة قد تكون في نظر هؤلاء أنها لم تعد تحتمل للكثير من النزاعات , والنفس لم تعد قادرة على خوض المغامرات , ومواجهة التيارات القوية , ربما هذا يعتمد حينها على مدى تحملك , وصبرك , ومدى عزمك على البقاء بإيديولوجيتك الخاصة , أو الاستسلام والرضوخ لمتطلبات الآخرين دون مقاومة , وتنسى حلم القيادة , فجيناتك المنهزمة لا تحمل جينات القيادة إطلاقا .

يقول شكسبير عن المبادئ : " المبادئ مثل قطعة قماش نسجت بدقة , لتكون متينة ومتماسكة وجميلة , ومقاومة منسوجة بخيوط الحياة "... لهذا أرى أن الإنسان صاحب المبادئ يعتريه شموخ وكبرياء عفيف من الكبر والغرور , رغم الانكسارات التي قد تواجه طريقه , فالثبات ليس أمر هينا , والبقاء على مبدأ معين ليس بالأمر السهل , فأنت تمضي عكس الريح , ووجهتك تخالف مسار الشلال المندفع للأسفل , فوجهتك دائما للأعلى تعانق عنان السماء , فهذا الطموح يتطلب تضحيات , وثمن باهض , في عصر ماتت فيه معاني القيم و المبادئ , وكل هذا سوف يسفر عنه جروح وألم قد لا يشعر بها إلا من عاشها فعلا .. ولا يسخر من جروح الإنسان الثابت على المبدأ إلا من رضي العيش بين الحفر , وظل قابعا وراء ظله فلا يملك المواجهه , ولا يطمح للتغيير....

بقلم / آهات قلم

انكسار أمنية..!!!

أتراني .... انحنيتُ كغصن حزين ,
واحدودبت أمنياتي وضاعت ,
ككهل ضيع عصاه ,
وتاه يبحث عنها في ضباب الفجر الباكي .
أتراني .... رميتُ بذور أحرفي ,
في حقول دفاتري الميتة ,
لتنبتْ لي أوجاع من الكلمات ,
أتراني .... أوئدتُ أحلامي في مقبرة الإنتظار,
وضيعتُ في التيه مدائني ,
أقاسي وحدة اللاجئ في غربة الصحراء ,
يسافر وطني وحيدا مع دموع حيرتي ,
فأنشدُ عودة أحط عليها رحالي ,
وأرتاحُ من عناء هذا الشتات
أتراني .... رجعتُ ألملم شظايا قلب ,
تحطم على أرصفة البداية المحمومة ,
ورماني دهري , كجذع بالي يتيم الشموخ ,
مستوحش الأنفاس .
أتراني .... أفتقد حب ذاك الليل العميق ,
بأسراره المكتظة في جيوب المساء .
أتراني.... توهمتُ أن العمر سفينة حوت تجاربي ,
وفكري لا يعرف صناعة الخرافات.
أتراني.... جرحتُ كبر ياءا , وعصيتُ دمعا ,
ومزقتُ في المدى قصص البطولات .
أتراني .... غدوتُ انكسارا لطين ,
لا يستجيب لصوت النداءات .
شرقتني سماء بعدي , وغربتني الذكريات ...
أيعصمني من هذا اليأس فناءا ,
ألمسه في مخيلتي وفي عقارب الساعات.
أتراني .... ولدتُ في عالم ضيعني ,
فهربتُ ألوذ بروحي ,
وأتلو في الهزيع وحي السموات .
أتراني .... أطفيتُ شمعة قلبي الأخيرة ,
واحتفلتُ بعام حزني , وأهديتُ قدري الحزين
أنشودة النهايات.


بقلم / آهات قلم